الحملة الإنتخابية فى فرنسا تضع

سيجولين روايال فى بحر من المفاجآت

ونيكولا ساركوزى يتقدم قليلا

 

محمد عبد العظيم

 

 

دخلت الحملة الإنتخابية الرئاسة الفرنسية والتى ستجرى فى نيسان/أبريل المقبل مرحلة المنافسة الثقيلة وسط إنقسامات ومفاجآت داخل الأحزاب السياسية الرئيسية. فمنذ أن إختار حزب إتحاد الحركة الشعبية اليمينى نيكولا ساركوزى مرشحا للإنتخابات الرئاسية الفرنسية منتصف كانون الثانى/يناير وصار طريق سباق قصر الإليزيه أكثر صعوبة أمام مرشحة الحزب الإشتراكى سيجولين روايال والتى كانت حتى الآن الأوفر حظا للفوز.

 

 الشهور الثلاثة المقبلة ستكون مليئة بالصعوبات أمام سيجولين روايال فى مواجهة وزير الداخلية ومرشح الأغلبية البرلمانية الحالية. المفاجأة الأخيرة هى أن مرشحة الحزب الإشتراكى والتى كانت تتقدم على منافسها ساركوزى بدأت  فى فقدان النقاط الواحدة تلو الأخرى.وخاصة بعد مفاجأة الإقتراحات الضريبية التى أعلن عنها ساركوزى. وحسب إستطلاعات الرأى الأخيرة ستأتى المرشحة اليسارية عن الحزب الإشتراكى فى المرتبة الثانية علما بأن مرشح حزب اليمين ساركوزى تم إنتخابه كمرشح عن إتحاد الحركة الشعبية منذ أسبوع فقط. فاليسارية والتى ظهرت حتى الأن فى صورة الحمل الوديع بدأت فى الهجوم ضد ذئب اليمين على صفحات الجرائد بالإضافة إلى الإذاعات والتليفزيون. إلا أن الحملة الإنتخابية فى بدايتها وبرامج كل مرشح قد تأتى بمفاجآت أخرى خلال المئة يوم القادمة التى تفصلنا عن يوم الإقتراع.

 

ومن المنتظر أن نتعرف وبصورة رسمية على برنامج سيجولين روايال إبتداءا من الحادى عشر من شهر شباط/فبراير علما بأن المرشحة الإشتراكية حين إلتقت السفراء العرب الأسبوع الماضى فى باريس قالت إنها تنوى فى إتباع الخط التاريخى الفرنسى الذى بدأه شارل ديجول وإتبعه فرانسوا ميتيران. ومنذ زيارتها الأراضى الفلسطينية فى تشرين الثانى/نوفمبر الماضى وهى تؤكد على تمسكها بالنظرة الأوروبية الراغبة فى حل شامل لإحلال السلام فى الشرق الأوسط.

 

برنامج الحزب الإشتراكى الذى ينتظره الفرنسيون مازال فى حيز الندوات حيث تتبع سيجولين روايال طريقة جديدة لحملتها الإنتخابية ترتكز على المشاركة المباشرة لمؤيديها خلال الندوات والإنترنت تحت شعار رغبة المستقبل. إختيار شعار رغبة المستقبل يملى نفسه فى ظروف إجتماعية مضطربة وظروفا إقتصادية غير مرضية وهذا ماجعل الفرنسيون يرفضون التصديق على الدستور الأوروبى فى أيار/مايو 2005. تلك الظروف التى تؤدى إلى فقدان الثقة فى الأحزاب السياسية التقليدية تجعل من مسألة الأمن فى ضواحى المدن الكبرى فى فرنسا شاغل الحملة الإنتخابية لدى حزب اليمين إذ يضع نيكولا ساركوزى مسألة الأمن فى صدارة إهتماماته فى محاولة لسحب مؤيدى الجبهة الوطنية إليه. علما بأن حزب اليمين المتطرف والذى يترأسه جان مارى لوبن يحاول ومنذ سنوات أن يربط بين مسألة المهجرين العرب والأفارقة وبين إزدياد العنف فى ضواحى المدن الفرنسية الرئيسية.

 

ومع شعار رغبة المستقبل يحاول الإشتراكيون فى تحسين الظروف الإقتصادية ويريد الحزب اليسارى أن يقدم للناخبين مقترحات تساعد سيجولين روايال على كسب إنتخابات الرئاسة 2007 وتفادى مايسمى بأعراض رئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان حين خاض الحزب الإشتراكى  حملة آخر إنتخابات رئاسية فى 2002 مقتنعا تماما بالفوز إعتمادا على إنجازات الحكومة تحت رئاسته.ثم فوجىء الجميع بخسارة الإنتخابات.

 

حملة الإنتخابات 2007 والتى تشهد غياب رموز سياسية بارزة هى حملة إنتخابية لها لون خاص هنا فى فرنسا. فبالإضافة الى أنها أول إنتخابات رئاسية تضم مرشحة عن الحزب الإشتراكى بدأت تلك الحملة بانقسامات واضحة وعدم الإنسجام داخل صفوف الأحزاب السياسية الرئيسية. فبين أحزاب اليمين نجد نيكولا ساركوزى  قد تم إختياره فى جو من الإمتعاض داخل حزب إتحاد الحركة الشعبية وعدم دعم الرئيس الفرنسى جاك شيراك له أو حتى رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان.

 

ويقول الكثيرون أن ساركوزى صار وحيدا وأن نصيبه فى الفوز ليس بالكبير إن إستمر حزب الوسط فى الصعود مع فرانسوا بايرو. علما بأن حزب الإتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية ومرشحه فرانسوا بايرو قد يقوم بالحصول على أكثر من10% والذى من شأنه أن يضعف نسبيا فرصة ساركوزى. هذا بالإضافة إلى أن إستطلاعات الرأى الأخيرة تظهر أن هناك 26% من الفرنسيين يؤيدون الأفكار التى يدافع عنها  جان مارى لوبن رئيس حزب اليمين المتطرف والمعروف بمواقفه المتشددة تجاه الأجانب وخاصة المهجرون العرب جان مارى لوبن لم يحصل بعد على عدد الإمضاءات الخمسمئة اللازمة للترشيح وحين الحصول عليها قد يعيد لوبن الكرة كما حدث فى إنتخابات 2002 حينما تقدم على مرشح الحزب الإشتراكى آنذاك ليونيل جوسبان ليصل إلى المرحلة الثانية أمام جاك شيراك. 

 

الأسابيع المقبلة سوف توضح أكثر فأكثر مواقف كل فريق وخاصة التحالفات المنتظرة بين أحزاب اليسار بما فيها البيئيين علما بأن حزب الخضر والحزب الشيوعى يمرون بانقسامات داخلية. فحزب اخضر مايزال يبحث عن مرشح وسط تلك الإنقسامات بعد أن سحب الإعلامى نيكولا هيلو ترشيحه. والشيوعيون مزالو منقسمون الى فريقين كل فريق يقف وراء مرشح. الأول يقف وراء أوليفييه بيزانسنو والثانى يدعم ترشيح مارى جورج بيفيه.

 

وقت التحالفات مايزال إذن بعيدا وحزب اليسار الحزب الإشتراكى الأكثر أهمية يعيش على إيقاعات الهشاشة منذ بضعة أيام حيث تواجه مرشحتة عدة صعوبات داخل معسكرها مما يجعل فريق اليسار فى حيرة من أمره. بدأت تلك الصعوبات بعد أن صرح المتحدث الرسمى لحملتها الإنتخابية أرنولد مونتبورج أنه لا عيب يشوب سيجولين رويال وليس أمامها أى معضلة للفوز بمنصب الرئاسة إلا شريك حياتها فرانسوا هولاند مما أدى إلى أن إتخذت المرشحة الإشتراكية قرارا بعزله من منصبه لمدة شهر كامل. وظهرت المرشحة وكأنها حكم فى ملعب كرة ينفخ فى صفيرة الإنذار ويوزع البطاقات الصفراء على من يرتكب الخطأ.

 

تصريحات المتحدث الرسمى مونتبورج أتت فى وقت حرج وخاصة أن زوج سيجولين روايال والأمين الأول للحزب الإشتراكى فرانسوا هولاند قد صرح وبدون التنسيق معها أنه ينوى رفع الضرائب على الدخل المرتفع فى حالة فوز الحزب وإختياره كرئيس للوزراء. هذا بالإضافة إلى الحديث على صفحات الجرائد عن الإنتقادات التى وجهها بعض أعضاء الحزب إلي سيجولين رويال أثناء أحد لقاءات لجنة الإنتخابات. وتحدثت الصحف الفرنسية كثيرا عن هذه الإنتقادات بعد أن ترك أحد المقربين منها هاتفه المحمول مفتوحا وتابعت حينها صحيفة لوموند ماقيل طوال فترة الإجتماع.

 

ولأن المعضلات يأتون تباعا فإن المرشحة الإشتراكية إضطرت على الإعلان عن ثروتها تحت وطأة الإتهامات على شبكة الانترنت. فلقد جائت مؤخرا قصة تم نشرها على مواقع الإنترنت وتم الحديث فيها عن شركة عقارية تم تأسيسها بإسم أسرة فرانسوا هولاند وسيجولين رويال للهروب من الضرائب على الثروات. كل هذا جعل من مرشحة الحزب الإشتراكى موضوعا للنقاش ويدع التساؤلات عن مايمكن أن ننتظره من مفاجآت أخرى كأول مرشحات الجمهورية الخامسة الفرنسية وأول إمرأه فى تاريخ الحزب الإشتراكى تقوم بترشيح نفسها للرئاسة.

 

وسوف ينسى الفرنسيون كل ذلك لأنهم ينتظرون البرامج الإنتخابية التى يعرضها كل مرشح حيث صارت البيئة الإهتمام الأول للفرنسيين تليها مكانة فرنسا فى العالم. ويرغب الفرنسيون فى ظروف إقتصادية تسمح بإعادة القوة الشرائية التى فقدتها الأسرة منذ وصول اليورو وتقوية حقوق العمال مع تحسين ظروف العمل مرورا بالحد من الهجرة وحلول لمشاكل الإسكان والأمن فى ضواحى المدن الكبرى ناهيك عن الإمتعاض الذى يظهره المجتمع الفرنسى تجاه التوجهات الأوروبية فى بروكسل وخاصة المسائل المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة. فمن يجد البرنامج الملائم للحديث عن الموضوعات التى تشغل الشارع الفرنسى وإيجاد الحلول الملائمة لها سوف يحوذ على قلوب الفرنسيين.